خطبة أبي بكر
أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - هو عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي . سمى أبا بكر على لسان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - صديقا وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ولازم الصدق فلم تقع منه هنات ولا كذبة في حال من الأحوال.
ولد أبو بكر سنة 573 م بعد عام الفيل بثلاث سنين تقريبا، وكان - رضي اللّه عنه - صديقا لرسول اللّه قبل البعث وهو أصغر منه سنا بثلاث سنوات .. هو أول خليفة في الإسلام، وأول أمير أرسل على الحج، حج بالناس سنة تسع هجرية، وأول من جمع القرآن، وأول من سمى مصحف القرآن مصحفاً، وكان يفتي الناس في زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبو بكر وعمر.
توفي أبو بكر يوم الاثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ - 23 أغسطس سنة 634 ، وله 63 سنة كرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعمر بن الخطاب .
جو النص :
بعد وفاة الرسول اجتمع الأنصار وبعض المهاجرين في سقيفة بني ساعدة ؛ لاختيار خليفة للمسلمين وانتهى الاجتماع على اختيار أبى بكر الصديق خليفة للمسلمين ، وتمت البيعة له تحت تلك السقيفة ، ثم اجتمع المسلمون في المسجد فألقى فيهم هذه الخطبة الموجزة وهي أوّل خُطبة ألقاها أبو بكر - رضي الله عنه - عنه بعد تولّيه الخلافة وهي على اختصارها تضع أعظم أساس للعلاقة بين الحاكم والرعيّة.
الخطبة
قال - رضي الله عنه - بعد حمد الله والثناء عليه : [أمَّا بعد أيُّها النَّاس، فإنِّي قَدْ وُُلِّيْتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فإِنْ أحْسَنْتُ فأَعِيْنونِي، وإنْ أسأْتُ فقوِّموني، الصِّدقُ أمانةٌ، والكذبُ خيانةٌ، والضَّعيف فيكُم قوِيّ عندي حتى أُُريحَ عليه حقَّه - إنْ شاء الُله، والقويّ فيكم ضعيفٌ عندي حتَّى آخذ الحقَّ منه- إن شاء الله . لا يدع أحدٌ منكم الجهاد في سبيل الله ، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذُّلِّ.. ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء . أَطِيعُونِي مَا أطَعْتُ اللهَ ورسوله، فإنْ عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.. ] .
اللغويات :
* وُلِّيت عَلَيْكُمْ : صرت والياً عليكم
- فأَعِيْنونِي : ساعدوني
- فقوِّموني : أصلحوني
- أريحَ عليه حقَّه : أرد ه له
- لا يدع أحدٌ : لا يترك (وفعله الماضي ودع)
- الجهاد : النِّضَال
- في سبيل الله : أي من أجل نصرة الدين
- ضربهم الله : أصابهم
- بالذُّل : الهَوَان، الخِزْي
- تشيع : تنتشر × تنحسر
- الفاحشة : الأمور القبيحة من الفعل و القول
- عمَّهم : شملهم
- بالبلاء : بالشدة و المحن
- ما أطعت الله ورسوله : أي زمن طاعتي لهم
- عصيت : خالفت .
الشرح :
* بدأ الصديق - رضي الله عنه - خطبته قائلاً :
أيها الناس : لقد اخترتموني خليفة وقائداً لكم ، ولست بخيركم (تواضع عظيم) ، فإن رأيتموني أسير على طريق الحق فساعدوني وساندوني ، وإن رأيتموني أتّبع الهوى وانحرفت عن طريق الحق فعليكم بإصلاحي وإرجاعي إلى الحق ، فالحق أحق بأن يُتّبع (ما سبق يسمى ديمقراطية الحكم عن طريق إشراك الرعيّة في تقويم الحاكم) ، ثم يواصل قائلاً : عليكم بالصدق في كل نصيحة أو رأي ؛ فالصدق أمانة سيحاسبكم الله عليه ، والكذب أمام الحاكم لأغراض في النفس خيانة وشر سيعاقب الله عليه بشدة ... ثم يعلن أن مبدأ المساواة والعدالة هو شعار دولته فلا يوجد معه إنسان قوي بماله و آخر ضعيف بفقره فالكل سيأخذ حقه بإذن الله .. ثم يبين أن الجهاد في سبيل إعلاء راية الدين واجب على كل قادر ؛ لأن فيه حماية للدولة الإسلامية الناشئة ، فالأمة التي تترك الجهاد و تتخلى عنه يبتليها الله بالمذلة والهوان والفتن وتصبح أمة ضعيفة مهانة .. ثم يختتم خطبته بالتأكيد على أن طاعة المؤمنين له مشروطة بطاعته لشريعة الله ورسوله .
س1 : ما أهمية هذه الخطبة ؟
جـ 1: ترجع أهمية هذه الخطبة ؛ لأنها كانت أول خطبة بعد وفاة الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ، كما انه بين في هذه الخطبة أسس خلافته ، ودستوره ومنهجه في الحكم الذي يقوم على العدل والحزم و الديمقراطية .
س2: للقرآن الكريم والحديث أثر واضح في تلك الخطبة . اشرح ذلك .
جـ2 : بالفعل فلقد تأثر بالمعجم القرآني في مثل : (الصدق - الأمانة - الحق - إن شاء الله - طاعة الله ورسوله)(وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (الشعراء :84) (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ..) (الكهف23 - 24)
كما تأثر بالحديث الشريف وألفاظه في قوله :[ أَطيعوني ما أَطعْت الله ورسوله، فإنْ عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم..] فهو مقتبس من قول الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - : " لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ" فالروح الإسلامية تشيع في هذه الخطبة .
س3 : ما مقومات الحاكم السليم كما رسمها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في خطبته ؟ أو تدل الخطبة على شخصية الصديق . وضح .
جـ 3: مقومات الحاكم السليم كما رسمها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في خطبته : التواضع - العدل - الحزم - الديمقراطية [أمرهم شورى بينهم] - أن يكون حريصاً على تطبيق الشريعة الإسلامية - عدم ترك الجهاد .
س 4: ما واجب الرعية تجاه الحاكم ؟
جـ 4: واجب الرعية تجاه الحاكم أن يعاونوه ويساندوه ويطيعونه إن كان على حقًّ ، فإن انحرف عن الحق وحاد (ابتعد) عنه فعلى الرعية أن تنصحه وتبين له وجه الصواب .
س 5: ما عقاب من يتركون فريضة الجهاد في سبيل الله ؟
جـ 5: عقاب من يتركون فريضة الجهاد في سبيل الله أن يصبحوا أذلاء ضعفاء يطمع فيهم الأعداء .
التذوق :
* (أيُّها النَّاس) : نداء للتنبيه حُذِفت أداته للتنبيه .
* (فإنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ) : أسلوب مؤكد بمؤكدين (أن + قد والفعل الماضي)
* (وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ) : بني الفعل للمجهول للعلم بالفاعل ، وهو المسلمون الذين بايعوا الصديق .
* (وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ) : تعبير يدل على شدة تواضع وسمو أخلاق الصديق و التعبير من باب الهضْم والتواضع ، فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم، وخيرهم رضي الله عنهم ، وهو تعبير مؤكد بحرف الجر الزائد الباء في (بِخَيْرِكُمْ) .
* (فإِنْ أحْسَنْتُ فأَعِيْنونِي، وإنْ أسأْتُ فقوِّموني) : أسلوبا شرط يوضحان حق الحاكم على الرعية ، فإن أحسن فالمساعدة له واجبة عليهم ، وإن أساء وأخطأ فعليهم بإرشاده إلى الحق والصواب .
* (فإِنْ أحْسَنْتُ فأَعِيْنونِي، وإنْ أسأْتُ فقوِّموني) : بين العبارتين مقابلة ، وسجع يعطي جرساً موسيقياً .
* (الصِّدقُ أمانةٌ، والكذبُ خيانةٌ) : سجع ، ومقابلة توضح روعة الصدق و بشاعة الكذب.
* (والضَّعيف فيكُم قوِيّ عندي حتى أُُريحَ عليه حقَّه إنْ شاء الُله، والقويّ فيكم ضعيفٌ عندي حتَّى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله) : كناية عن المساواة التامة بين الناس ، وبينهما مقابلة توضح المعنى بالتضاد .
* (أُُريحَ عليه حقَّه) : استعارة مكنية ، تصور الحق الضائع كأنه إنسان قلق حائر ، فإذا ما عاد إلى صاحبه هدأ واستقر ، وهي صورة توحي بأثر العدل في استقرار الأمور .
* (لا يدع أحدٌ منكم الجهاد في سبيل الله) : أسلوب إنشائي / نهي غرضه : التحذير من ترك الجهاد .
* (أحدٌ) : نكرة للعموم .
* (فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذُّلِّ) : في العبارة مواطن جمال عديدة منها :
1 - أنها تعليل لما قبلها .
2 - أسلوب مؤكد بمؤكدين (إن + أسلوب القصر بـ (لا و إلا) .
3 - وفيها استعارة مكنية ، تصور الذل سلاحاً يُضْرب به كل من ترك الجهاد في سبيل الله ، وسر جمال الصورة التجسيم .
* (قوم) : نكرة للعموم والشمول .
* (ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء) : أسلوب القصر بـ (لا و إلا) يؤكد على أن المحن والمصائب لا تنتشر إلا تشيع الرذيلة بين الناس .
* (تشيع) : تعبير يوحي بانتشار الفساد وتفشِّيه .
* (أَطيعوني ما أَطعْت الله ورسوله) : أسلوب إنشائي / أمر : غرضه النصح و الحث
* (فإنْ عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم) : أسلوب إنشائي / أمر : غرضه النصح و الحث .
* (أَطيعوني ما أَطعْت الله ورسوله، فإنْ عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم) : مقابلة جميلة توضح أن طاعة الحاكم مرهونة بطاعة الله ورسوله .
س : علام يدل قول أبي بكر - رضي الله عنه - وليت عليكم ولست بخيركم ؟
جـ : يدل على التواضع الجم والعدالة .
التعليق
س1 : بِمَ تميز أسلوب تلك الخطبة ؟
جـ 1: تميز أسلوب تلك الخطبة بـ :
1 - الإيجاز والتركيز مع الوضوح وسهولة اللفظ.
2 - التأثر بمعاني وأساليب القرآن الكريم و الحديث الشريف .
3 - ملائمة الأسلوب لمستوى السامعين ، والتنويع بين الخبر و الإنشاء .
4 - قلة الخيال ؛ لاعتماد الخطبة على الإقناع العقلي .
5 - الجمال الموسيقي المتمثل في اختيار الفظة الدقيقة في موضعها ، و السجع غير المتكلف ، والجناس .
6 - تأكيد المعنى بأساليب التوكيد المختلفة .
س2 : ما نوع خطبة الصديق ؟ ولماذا ؟
جـ 2: خطبة الصديق سياسية دينية ؛ لأنها أوضحت منهج ودستور الخليفة في الحكم .
س3 : قامت كثير من عبارات أبي بكر على الموازنة .. وضح ذلك .
جـ 3: بالفعل قامت كثير من عبارات أبي بكر على الموازنة مثل :
(فإِنْ أحْسَنْتُ فأَعِيْنونِي) و (وإنْ أسأْتُ فقوِّموني).
(والقويّ فيكم ضعيفٌ عندي) و (والضَّعيف فيكُم قوِيّ عندي) .
(أَطيعوني ما أَطعْت الله ورسوله) و (فإنْ عصيتُ الله ..) وكل هذه الموازنات السابقة ؛ ليبرهن على أن دستوره ومنهجه في الحكم قائم على العدل والديمقراطية .
س4 : ما المبادئ السامية التي اشتملت عليها خطبة الصديق ؟ وما أثر العمل بها في حياة الشعوب والحكام ؟
أسئلة للمناقشة :
س1 : يؤسِّس أبو بكر - رضي الله عنه - في هذه الخطبة مبدأ هامّاً من أسس الحكم. فما هو؟ وكيف دعا إليه؟
س2: مَنِ القوي؟ ومَنِ الضعيف عند أبي بكر؟ ولماذا؟
س3 : (إنَّما الطاعةُ في المعروف) التقط من الخطبة ما يتوافق مع هذه القاعدة الإسلامية الجليلة .
[center]